عرض المقال
دليل المسلم الحزين (3)
2013-08-06 الثلاثاء
القضايا التى فجرها الكاتب حسين أحمد أمين، فى كتابه «دليل المسلم الحزين»، متعددة وصادمة للعقل الكسول، الذى تعود على الأفكار «الدليفرى» والبديهيات سابقة التجهيز، حرك المؤلف المياه الراكدة وألقى فيها حجراً، ما زالت دوائره وموجاته تتسع حتى اليوم، وما زالت قابلة للنقاش والجدل ولم تحسم حتى هذه اللحظة، من بين هذه القضايا تجديد علم الحديث، وغربلة كتبه، وتغيير وتثوير مناهج البحث فيه، التى ما زالت تعتمد على السند فقط، ويضرب المؤلف أمثلة كثيرة على أحاديث كثيرة لا بد من مناقشة متنها، وتناقضات بعضها البعض، وكيف أن وراءها أغراضاً معينة ولدت من رحم الخلافات السياسية، مثل أحاديث طاعة الحاكم واستتباب الحكم، مثل من أطاع أميراً فقد أطاعنى، والسلطان الظلوم خير من فتنة تدوم، والتى رد عليها الشيعة بحديث لا تكرهوا الفتنة فإن فيها حصاد المنافقين! وأحاديث النبوءات، مثل التنبؤ بالدولة العباسية «رايات سود تتحرك من خراسان.. » ومدح أبى حنيفة والتنبؤ به «يكون فى أمتى رجل كنيته أبوحنيفة هو سراج أمتى.. ». ويرد عليه بأن «أفقه أهل الأرض فقهاء المدينة»، وأحاديث مدح المدن والأقاليم، عن مصر والبصرة التى فيها خير القراء وفاس التى أهلها خير الناس صلاة.. إلخ، القضية الأخرى التى أثارها حسين أحمد أمين فى كتابه، هى تطبيق الشريعة وكيف أن القوانين أساسها التغيير والتطوير، وإذا كان فى 23 سنة، هى عمر الجماعة الإسلامية، حدث تطور أحكام ونسخ لآيات فما بالك بأربعة عشر قرناً! وأحياناً تكون بعض الأحكام مراعية لأحوال الجاهليين وقتها، والخوف من استئصال الأوضاع مرة واحدة، وأحياناً تؤثر البيئة على التشريع، مثل الفرق بين الوضع الطبقى فى العراق والمدينة، مما جعل حق العبد ومقياس الكفاءة فى الزواج مختلفاً هنا عن هناك، واضطر الفقهاء أمام الجمود أن يخترعوا ما يسمى الحيل الفقهية، وأحياناً الحكم يخضع لمفهوم ما فى هذا الوقت، مثل قطع يد السارق، وارتباطها بمفهوم الملكية المنقولة لا العقارية، حيث كانت سرقة الناقة هى سرقة الماء والغذاء والخيمة والسلاح، أى إعدام وقتل للإنسان، إذن فمن حق المجتمع أن يطور هذه الأحكام على هدى روح الإسلام ومقاصده، والحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً، أما قضية الكتابة التاريخية فهى قضية فى منتهى الخطورة، تحدث فيها حسين أمين عن أسباب النظرة الرومانسية للسلف، وكيف أن كتابة التاريخ تحولت من تسجيل الحقائق إلى تمجيد الأشخاص، وكيف شوهت طبيعة العقل العربى، الذى يميل للمبالغة وعدم الدقة، كتابة التاريخ وتسجيله، ولأننا أدمنا الهروب إلى الماضى فستظل كتابة التاريخ لدينا تفتقر إلى الدقة والموضوعية، لأن ما يحكمنا هو الماضى ومن يحكمه الماضى يظل مرعوبا من الحاضر ومشلولاً، مغلول اليد عن صناعة المستقبل.